رجب محمد عبدالمنعم في الأربعاء نوفمبر 04, 2009 9:52 pmمر مائة عام على ميلاد الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان.
مائة عام لشاعر الأرض والحب، الشاعر الشاب الذي رحل مبكراً، وحظي بمكان متميز له في ساحة الأدب الفلسطيني بوقت مبكر أيضاً. بعد أن نزف شعره للوطن، وبحّت صرخاته الأدبية باستغاثة الأرض، ولوعة الشعب المحاصر بين بنادق الاحتلال البريطاني وخناجر العصابات الصهيونية.
نبض شعري صادق
في خزانة الأدب الفلسطينية، استطاع الشاعر إبراهيم طوقان خلال ستة وثلاثين عاماً فقط أن يترك ثروة أدبية متميزة، لم تحفظها الأجيال الفلسطينية فحسب، بل انتشرت على شفاه الأمة العربية.
فإذا كانت الذاكرة الثقافية تحتفظ بقصيدة ((سنعود)) لأبي سلمى، و((عائدون)) لهارون هاشم رشيد، وإذا كانت ((سأحمل روحي على راحتي)) جواز الشعر الأدبي الذي حلق بعبد الرحيم محمود في فضاء الوطن، وإذا كانت صرخة محمود درويش ((سجل أنا عربي)) لا يزال يتردد صداها في نفوس الناس، وعشرات القصائد الأخرى، إذا كان كل هذا قد حدث وقد حدث فعلاً، فإن إبراهيم طوقان قد ترك من قبلهم ((الثلاثاء الحمراء)) و((الفدائي)) و((الشهيد))، بالإضافة إلى قصائد أخرى عن سماسرة الأرض، بل إن قصيدته عن وعد بلفور تصف بالقلم ما نراه في انتفاضة الأقصى هذه الأيام حين يقول:
اخسأ بوعدك لن يضير الوعدُ شَعباً هبَّ ناهِضْ
لا تنقضِ الوعْدَ الذي أبرَمتهُ فَلَهُ نواقــض
ويلٌ لوعْدِ الشَّيخِ منْ عزمات آسادٍ روابضْ
أتضيعُ يا وطني وهَا عِرقُ العروبةِ فيَّ نابضْ
فلأذهبنَّ فداءَ قومي في غمار الموت فائض
كل هذا الإرث الأدبي الثمين جعل من إبراهيم طوقان رمزاً أدبياً فلسطينياً وعربياً لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال. وما عليك إلا المرور سريعاً على ((موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر)) لسلمى الخضراء الجيوسي، و((الأدب الفلسطيني المعاصر)) لكامل السوافيري، و((حياة الأدب الفلسطيني)) لعبد الرحمن ياغي، و((الكنوز - ما لم يعرف عن إبراهيم طوقان)) للمتوكل طه، وعشرات الدراسات والمؤلفات، وآلاف المقالات التي كتبت عنه.
كل هذا جعل من مقالنا وقفة وفاء، وإن كان لنا من أسئلة على أعتابها فهي من قبيل الغيرة على العمل الثقافي، وغيرتنا عليه، ورغبتنا أن يكون دائماً في أفضل أحواله.
وهو أيضاً حب لكل الأقلام المبدعة والمؤمنة بحقها والمتشبثة به رغم كل الويلات. وإبراهيم طوقان من صفوة هذه الأقلام.
ذكرى هادئة أم تشتت ثقافي؟
ولكن، لماذا مرت الذكرى بهدوء؟ ولماذا لم تكن المهرجانات الثقافية على مستوى الحدث؟ هل نبدأ اللوم مبكراً ونكرر الاستفهامات حول هذا الغياب الصارخ، والحضور الخجول؟
تحاصرنا الأسئلة منذ البداية، ومنذ مطلع القوافي، وفي ختام القصائد، غير أن اختتام القصائد الطوقانية إن جازت هذه التسمية تفتح بوابة الصمت على مصراعيها، وتفجر الهواجس الواقعية التي تحياها الحياة الثقافية الفلسطينية بكل تواضع.
مرت المناسبة في دروب ذلك العام على استحياء، مرت وسط دروب سياسية وإعلامية ملتهبة على الساحة الفلسطينية. مرت وحركة المقاومة الفلسطينية تسجل انتصاراً جزئياً مهماً طال انتظاره عبر انسحاب المحتل من قطاع غزة.
مرت والذاكرة الفلسطينية لا تكاد تتوقف عن تسجيل هذه الأعوام المهمة بكل تفاصيلها الخطيرة.
غير أن هذا الانشغال السياسي الفلسطيني الظاهر على السطح، عكس في عمقه تفسخاً مخيفاً في نسيج الحركة الثقافية الفلسطينية!! ولكن كيف؟
محنة الثقافة والذكرى
المتتبع لسيرة الشاعر إبراهيم طوقان ابن جبل النار في مدينة نابلس، يدرك جيداً كيف كان هذا الشاعر مثل تلميذه الشهيد عبد الرحيم محمود كيف يمثلان إجماعاً شعرياً قلما نجده في عصرنا الحاضر على الساحة الفلسطينية.
فالشاعر الذي وافته المنية إثر مرض عضال عام 1941، أي قبل قيام الكيان الصهيوني بسبع سنوات.. هذا الشاعر الذي عاش نبض وطنه في كثير من المحطات المهمة، وكان ينسج بقلمه حلم شعبه، ينزف وجداً، ويضمد جرحاً، استطاع أن يكون رمزاً أدبياً وشعرياً فلسطينياً، بل إن هذه الرمزية تجاوزت المكان حينذاك لتتجاوز حدود الوطن، وتجاوزت حدود الزمان لتسجل صدق الرؤية التي حذر منها الشاعر، حين كان يرى أن الجلاء عن البلاد قد اقترب، والرحيل عن الوطن صار أمراً يمكن أن يتوقع في ظل الأحداث التي كان يراها أمام عينه:
يا قومُ ليسَ عدوُّكم … مِمَّنْ يلينُ ويرحَمُ
يا قومُ ليسَ أمامَكم … إلاَّ الجلاء فحزِّموا
لقد امتلك هذا الشاعر على مدى عقود متتالية رمزية ثقافية، هذه الرمزية التي كان باستطاعة المؤسسات الثقافية الفلسطينية أن تجعلها مناسبة للوحدة ولو لمرة واحدة!! تحقق شيء منها هنا وهناك على استحياء في بعض الفعاليات في رام الله ونابلس وعمان ودمشق..
وهنا لسنا بصدد التفصيل في هذا الأمر غير أن الأمسية التي أقيمت في دمشق قد تعطي في بعض جوانبها نموذجاً لما نريد من التوحد الثقافي قدر الإمكان، غير أنه في جوانب أخرى يجدد الأسئلة عن غياب فعاليات بحجم هذا الشاعر من كافة المؤسسات الثقافية الفلسطينية داخل الوطن وخارجه.
لقد أطلق اتحاد الكتاب الأردنيين مشروعاً يجعل هناك جائزة أدبية سنوية تحمل اسم الشاعر، ومرت الذكرى ولا ندري هل ستوضع مثل هذه الفكرة في الأدراج المتعبة بالأحلام، أم ستجد لها محضناً وداعماً يطلق جناحيها في فضاء المشروع الثقافي الفلسطيني.
التغريبة الفلسطينية والشاعر
الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في هذه السنوات، والتأثير الخطير الذي تؤديه الدراما التلفزيونية في أذهان المشاهدين، كانا على موعد مع المسلسل ذائع الصيت (التغريبة الفلسطينية)، حيث اختار القائمون عليه قصيدة ((الفدائي)) لطوقان لتكون هي أغنية الشارة بالنسبة للمسلسل الذي عاش معه الناس بعواطفهم وذكرياتهم طيلة ثلاثين يوماً من أيام شهر رمضان، والذي جاء قبل أسابيع من مرور مائة عام على ميلاد هذا الشاعر.
هذه المصادفة كرست الحضور المتجدد للشاعر إبراهيم طوقان في أذهان الناس، وأكدت على أن قصائد الشاعر عن فلسطين ستظل محفورة في قلوب الناس وعلى ألسنة الأجيال أينما توزعوا على خريطة التشرد.
أمر آخر في هذا البند يتمثل في حُسن الاختيار لمثل هذا النص الأدبي المتميز، حيث أن هذه القصيدة تمثل روح الثبات والتحدي، إنها قصيدة الأمل التي تأتي متوافقة مع النبض الذي يحياه الشعب الفلسطيني وهو يعيش كبرياء انتفاضة الأقصى، وعزة الصمود.
مؤسسة البابطين تُكرِّم الشاعر
في أكتوبر من عام 2003 أقامت مؤسسة سعود البابطين في الكويت دورة خاصة بالشاعر إبراهيم طوقان، خصصت من خلاله فعاليات متميزة للحديث عن هذا الشاعر، وعطائه عبر كتابين مهمين هما: إبراهيم طوقان (حياته ودراسة فنية في شعره) و(من أوراق الشاعر إبراهيم طوقان)، ورغم أن المتوكل طه رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين في رام الله كان من الحاضرين الفاعلين في هذه الدورة عبر كتابه الخاص عن الشاعر الراحل (الكنوز)؛ إلا أن الحياة الثقافية الفلسطينية كانت تنتظر مهرجاناً يعيد دفق الدماء إلى شرايينها بكل أطيافها، وينفض غبار الخلافات عن أوراق الديوان الفلسطيني المعاصر، ولكن وبكل أسف لم يحصل ذلك؟
لماذا ننجح عربياً ونفشل داخلياً؟
أو بصيغة أخرى لماذا نجحت مؤسسة ثقافية عربية في تكريم رمز بينما تغيب كثير من المؤسسات الثقافية الفلسطينية أو تكاد عن مثل هذه الذكرى؟
موطني: ليته لم يكن!!
في الأمسية الدمشقية عن طوقان جهر الشاعر خالد أبو خالد والقاص رشاد أبو شاور بما تهامس به كثير من الأدباء والمثقفين، إنه الاستياء البالغ من التوظيف السلبي لنشيد (موطني) من قبل الحكومة العراقية التي تعيش تحت حراب المحتل الأمريكي، هذا النشيد الذي كتبه الشاعر في ثلاثينيات القرن الماضي، وصار نشيداً عربياً للتغني بالوطن.
هذا الشجن الوطني بروعة كلماته وألحانه، وما يمثله من تطلعات روحية ومعنوية تم توظيفه – ولا يزال– من قبل الحكومة العراقية وهي تدفع آلاف الدولارات لفضائيات للترويج لجيش يسير جنباً إلى جنب مع المارينز الأمريكي في دروب بغداد العريقة!!
موطني.. ليته لم يكن هذا النشيد لو كان هذا هو المكان الذي سيكون فيه!! هكذا أخبرني أحد الأدباء حين كان يتابع تلك الإعلانات المسيئة لهذا الشاعر وقصيدته التي أُديت على شفاه لم تعرف أن إبراهيم طوقان كلفه هذا النشيد وأناشيد أخرى معه أن يُزاح عن رئاسة القسم العربي في إذاعة القدس، لأن ما كان يكتبه يتعارض مع أطماع المحتل البريطاني في فلسطين، فهل يمكن اليوم أن يتوافق مع أطماع المحتل الأمريكي في العراق اليوم؟!
مائة عام لشاعر الأرض والحب، الشاعر الشاب الذي رحل مبكراً، وحظي بمكان متميز له في ساحة الأدب الفلسطيني بوقت مبكر أيضاً. بعد أن نزف شعره للوطن، وبحّت صرخاته الأدبية باستغاثة الأرض، ولوعة الشعب المحاصر بين بنادق الاحتلال البريطاني وخناجر العصابات الصهيونية.
نبض شعري صادق
في خزانة الأدب الفلسطينية، استطاع الشاعر إبراهيم طوقان خلال ستة وثلاثين عاماً فقط أن يترك ثروة أدبية متميزة، لم تحفظها الأجيال الفلسطينية فحسب، بل انتشرت على شفاه الأمة العربية.
فإذا كانت الذاكرة الثقافية تحتفظ بقصيدة ((سنعود)) لأبي سلمى، و((عائدون)) لهارون هاشم رشيد، وإذا كانت ((سأحمل روحي على راحتي)) جواز الشعر الأدبي الذي حلق بعبد الرحيم محمود في فضاء الوطن، وإذا كانت صرخة محمود درويش ((سجل أنا عربي)) لا يزال يتردد صداها في نفوس الناس، وعشرات القصائد الأخرى، إذا كان كل هذا قد حدث وقد حدث فعلاً، فإن إبراهيم طوقان قد ترك من قبلهم ((الثلاثاء الحمراء)) و((الفدائي)) و((الشهيد))، بالإضافة إلى قصائد أخرى عن سماسرة الأرض، بل إن قصيدته عن وعد بلفور تصف بالقلم ما نراه في انتفاضة الأقصى هذه الأيام حين يقول:
اخسأ بوعدك لن يضير الوعدُ شَعباً هبَّ ناهِضْ
لا تنقضِ الوعْدَ الذي أبرَمتهُ فَلَهُ نواقــض
ويلٌ لوعْدِ الشَّيخِ منْ عزمات آسادٍ روابضْ
أتضيعُ يا وطني وهَا عِرقُ العروبةِ فيَّ نابضْ
فلأذهبنَّ فداءَ قومي في غمار الموت فائض
كل هذا الإرث الأدبي الثمين جعل من إبراهيم طوقان رمزاً أدبياً فلسطينياً وعربياً لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال. وما عليك إلا المرور سريعاً على ((موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر)) لسلمى الخضراء الجيوسي، و((الأدب الفلسطيني المعاصر)) لكامل السوافيري، و((حياة الأدب الفلسطيني)) لعبد الرحمن ياغي، و((الكنوز - ما لم يعرف عن إبراهيم طوقان)) للمتوكل طه، وعشرات الدراسات والمؤلفات، وآلاف المقالات التي كتبت عنه.
كل هذا جعل من مقالنا وقفة وفاء، وإن كان لنا من أسئلة على أعتابها فهي من قبيل الغيرة على العمل الثقافي، وغيرتنا عليه، ورغبتنا أن يكون دائماً في أفضل أحواله.
وهو أيضاً حب لكل الأقلام المبدعة والمؤمنة بحقها والمتشبثة به رغم كل الويلات. وإبراهيم طوقان من صفوة هذه الأقلام.
ذكرى هادئة أم تشتت ثقافي؟
ولكن، لماذا مرت الذكرى بهدوء؟ ولماذا لم تكن المهرجانات الثقافية على مستوى الحدث؟ هل نبدأ اللوم مبكراً ونكرر الاستفهامات حول هذا الغياب الصارخ، والحضور الخجول؟
تحاصرنا الأسئلة منذ البداية، ومنذ مطلع القوافي، وفي ختام القصائد، غير أن اختتام القصائد الطوقانية إن جازت هذه التسمية تفتح بوابة الصمت على مصراعيها، وتفجر الهواجس الواقعية التي تحياها الحياة الثقافية الفلسطينية بكل تواضع.
مرت المناسبة في دروب ذلك العام على استحياء، مرت وسط دروب سياسية وإعلامية ملتهبة على الساحة الفلسطينية. مرت وحركة المقاومة الفلسطينية تسجل انتصاراً جزئياً مهماً طال انتظاره عبر انسحاب المحتل من قطاع غزة.
مرت والذاكرة الفلسطينية لا تكاد تتوقف عن تسجيل هذه الأعوام المهمة بكل تفاصيلها الخطيرة.
غير أن هذا الانشغال السياسي الفلسطيني الظاهر على السطح، عكس في عمقه تفسخاً مخيفاً في نسيج الحركة الثقافية الفلسطينية!! ولكن كيف؟
محنة الثقافة والذكرى
المتتبع لسيرة الشاعر إبراهيم طوقان ابن جبل النار في مدينة نابلس، يدرك جيداً كيف كان هذا الشاعر مثل تلميذه الشهيد عبد الرحيم محمود كيف يمثلان إجماعاً شعرياً قلما نجده في عصرنا الحاضر على الساحة الفلسطينية.
فالشاعر الذي وافته المنية إثر مرض عضال عام 1941، أي قبل قيام الكيان الصهيوني بسبع سنوات.. هذا الشاعر الذي عاش نبض وطنه في كثير من المحطات المهمة، وكان ينسج بقلمه حلم شعبه، ينزف وجداً، ويضمد جرحاً، استطاع أن يكون رمزاً أدبياً وشعرياً فلسطينياً، بل إن هذه الرمزية تجاوزت المكان حينذاك لتتجاوز حدود الوطن، وتجاوزت حدود الزمان لتسجل صدق الرؤية التي حذر منها الشاعر، حين كان يرى أن الجلاء عن البلاد قد اقترب، والرحيل عن الوطن صار أمراً يمكن أن يتوقع في ظل الأحداث التي كان يراها أمام عينه:
يا قومُ ليسَ عدوُّكم … مِمَّنْ يلينُ ويرحَمُ
يا قومُ ليسَ أمامَكم … إلاَّ الجلاء فحزِّموا
لقد امتلك هذا الشاعر على مدى عقود متتالية رمزية ثقافية، هذه الرمزية التي كان باستطاعة المؤسسات الثقافية الفلسطينية أن تجعلها مناسبة للوحدة ولو لمرة واحدة!! تحقق شيء منها هنا وهناك على استحياء في بعض الفعاليات في رام الله ونابلس وعمان ودمشق..
وهنا لسنا بصدد التفصيل في هذا الأمر غير أن الأمسية التي أقيمت في دمشق قد تعطي في بعض جوانبها نموذجاً لما نريد من التوحد الثقافي قدر الإمكان، غير أنه في جوانب أخرى يجدد الأسئلة عن غياب فعاليات بحجم هذا الشاعر من كافة المؤسسات الثقافية الفلسطينية داخل الوطن وخارجه.
لقد أطلق اتحاد الكتاب الأردنيين مشروعاً يجعل هناك جائزة أدبية سنوية تحمل اسم الشاعر، ومرت الذكرى ولا ندري هل ستوضع مثل هذه الفكرة في الأدراج المتعبة بالأحلام، أم ستجد لها محضناً وداعماً يطلق جناحيها في فضاء المشروع الثقافي الفلسطيني.
التغريبة الفلسطينية والشاعر
الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في هذه السنوات، والتأثير الخطير الذي تؤديه الدراما التلفزيونية في أذهان المشاهدين، كانا على موعد مع المسلسل ذائع الصيت (التغريبة الفلسطينية)، حيث اختار القائمون عليه قصيدة ((الفدائي)) لطوقان لتكون هي أغنية الشارة بالنسبة للمسلسل الذي عاش معه الناس بعواطفهم وذكرياتهم طيلة ثلاثين يوماً من أيام شهر رمضان، والذي جاء قبل أسابيع من مرور مائة عام على ميلاد هذا الشاعر.
هذه المصادفة كرست الحضور المتجدد للشاعر إبراهيم طوقان في أذهان الناس، وأكدت على أن قصائد الشاعر عن فلسطين ستظل محفورة في قلوب الناس وعلى ألسنة الأجيال أينما توزعوا على خريطة التشرد.
أمر آخر في هذا البند يتمثل في حُسن الاختيار لمثل هذا النص الأدبي المتميز، حيث أن هذه القصيدة تمثل روح الثبات والتحدي، إنها قصيدة الأمل التي تأتي متوافقة مع النبض الذي يحياه الشعب الفلسطيني وهو يعيش كبرياء انتفاضة الأقصى، وعزة الصمود.
مؤسسة البابطين تُكرِّم الشاعر
في أكتوبر من عام 2003 أقامت مؤسسة سعود البابطين في الكويت دورة خاصة بالشاعر إبراهيم طوقان، خصصت من خلاله فعاليات متميزة للحديث عن هذا الشاعر، وعطائه عبر كتابين مهمين هما: إبراهيم طوقان (حياته ودراسة فنية في شعره) و(من أوراق الشاعر إبراهيم طوقان)، ورغم أن المتوكل طه رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين في رام الله كان من الحاضرين الفاعلين في هذه الدورة عبر كتابه الخاص عن الشاعر الراحل (الكنوز)؛ إلا أن الحياة الثقافية الفلسطينية كانت تنتظر مهرجاناً يعيد دفق الدماء إلى شرايينها بكل أطيافها، وينفض غبار الخلافات عن أوراق الديوان الفلسطيني المعاصر، ولكن وبكل أسف لم يحصل ذلك؟
لماذا ننجح عربياً ونفشل داخلياً؟
أو بصيغة أخرى لماذا نجحت مؤسسة ثقافية عربية في تكريم رمز بينما تغيب كثير من المؤسسات الثقافية الفلسطينية أو تكاد عن مثل هذه الذكرى؟
موطني: ليته لم يكن!!
في الأمسية الدمشقية عن طوقان جهر الشاعر خالد أبو خالد والقاص رشاد أبو شاور بما تهامس به كثير من الأدباء والمثقفين، إنه الاستياء البالغ من التوظيف السلبي لنشيد (موطني) من قبل الحكومة العراقية التي تعيش تحت حراب المحتل الأمريكي، هذا النشيد الذي كتبه الشاعر في ثلاثينيات القرن الماضي، وصار نشيداً عربياً للتغني بالوطن.
هذا الشجن الوطني بروعة كلماته وألحانه، وما يمثله من تطلعات روحية ومعنوية تم توظيفه – ولا يزال– من قبل الحكومة العراقية وهي تدفع آلاف الدولارات لفضائيات للترويج لجيش يسير جنباً إلى جنب مع المارينز الأمريكي في دروب بغداد العريقة!!
موطني.. ليته لم يكن هذا النشيد لو كان هذا هو المكان الذي سيكون فيه!! هكذا أخبرني أحد الأدباء حين كان يتابع تلك الإعلانات المسيئة لهذا الشاعر وقصيدته التي أُديت على شفاه لم تعرف أن إبراهيم طوقان كلفه هذا النشيد وأناشيد أخرى معه أن يُزاح عن رئاسة القسم العربي في إذاعة القدس، لأن ما كان يكتبه يتعارض مع أطماع المحتل البريطاني في فلسطين، فهل يمكن اليوم أن يتوافق مع أطماع المحتل الأمريكي في العراق اليوم؟!