سواه فقد علم صاحبه أنه ليس عنده للمودة קֵ موضع :فلا شيء أضيع من مودةٍ تمنح من لا وفاء له، وحباءٍ
يصطنع عند من لا شكر له، وأدبٍ يحمل إلى من لا يتأدب به ولا يسمعه، وسر يستودع من لا يحفظه؛
فإن صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر :كالريح إذا مرت بالطيب حملت طيبا ً،
وإذا مرت بالنتن حملت نتنا ً، وقد طال وثقل كلامي عليك .
فانتهى كليلة من كلامه إلى هذا المكان وقد فرغ الأسد من الثور، ثم فكر في قتله بعد أن قتله وذهب عنه
الغضب .وقال :لقد فجعني شتربة بنفسه؛ وقد كان ذا عقلٍ ورأيٍ وخلقٍ كريمٍ، ولا أدري لعله كان ً بريئا
أو ً مكذوبا عليه؛ فحزن وندم على ما كان منه، وتبين ذلك في وجهه؛ وبصر به دمنة، فترك محاورة كليلة،
وتقدم إلى الأسد فقال له :ليهنئك الظفر إذ أهلك الله أعداءك .فماذا يحزنك أيها الملك؟ قال :أنا קֵ حزين
على عقل شتربة ورأيه وأدبه؟ قال له دمنة :لا ترحمه أيها الملك :فإن العاقل لا يرحم من يخافه .وإن
الرجل الحازم ربما أبغض الرجل وكرهه، ثم قربه وأدناه :لما يعلم عنده من الغناء والكفاية، فعل الرجل
المتكاره على الدواء الشنيع رجاء منفعته .وربما أحب الرجل، وعز عليه، فأقصاه وأهلكه، مخافة ضرره؛
كالذي تلدغه الحية في إصبعه فيقطعها، ويتبرأ منها مخافة أن يسر سمها إلى بدنه .فرضي الأسد بقول دمنة .
ثم علم بعد ذلك بكذبه وغدره وفجوره فقتله شر قتلٍة .
باب الفحص عن أمر دمنة
قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف :قد حدثتني عن الواشي الماهر المحتال، كيف يفسد بالنميمة المودة
الثابتة بين المتحابين .فحدثني حينئذٍ بما كان من حالة دمنة وما آل أمره إليه بعد قتل شتربة، وما كان من
معاذيره عند الأسد وأصحابه حين راجع الأسد رأيه في الثور، وتحقق النميمة من دمنة، وما كانت حجته
التي احتج דֲا؛ قال الفيلسوف :أنا وجدت في حديث دمنة أن الأسد حين قتل شتربة ندم على قتله،
وذكر قديم صحبته وجسيم خدمته، وأنه كان أكرم أصحابه عليه .وأخصهم ً مترلة لديه، وأقرדֲم وأدناهم
إليه؛ وكان يواصل له المشورة دون خواصه .وكان من أخص أصحابه عنده بعد الثور النمر .فاتفق أنه
أمسى لنمر ذات ليلةٍ عند الأسد؛ فخرج من عنده جوف الليل يردي مترله، فاجتاز على مترل كليلة
ودمنة .فلما انتهى إلى الباب سمع كليلة يعاتب دمنة على ما كان منه، ويلومه على النميمة واستعمالها؛
ً خصوصا مع الكذب والبهتان في حق الخاصة .وعرف النمر عصيان دمنة وترك القبول له .فوقف يستمع
ما يجري بينهما فكان فيما قال كليلة لدمنة :لقد ارتكبت ً مركبا صعبا ً، ودخلت ً مدخلا ضيقا ً، وجنيت
على نفسك ً جناية موبقة ً، وعاقبتها وخيمة ٌ؛ وسوف يكون مصرعك شديدًا، إذا انكشف للأسد أمرك،
واطلع عليه، وعرف غدرك ومحالك ، وبقيت لا ناصر لك؛ فيجتمع عليك الهوان والقتل، مخافة شرك،